الدليل القبطي | الفلك العظيم - للقمص جرجس توفيق

الفلك العظيم - للقمص جرجس توفيق

الرئيسية / الفلك العظيم - للقمص جرجس توفيق
  Sun, Sep 02, 2018     Admin CTG  

كان كيرلس صبياً مدهشاً، يتمتع بذكاء حاد، وذاكرة حاضرة، وابتسامة مشرقة. وكان كثيراً ما يجلس إلى جده العجوز مقّبلاً إياه، طالباً منه أن يحكى له بعض الحكايات المشوقة التى يحبها، والتى يحسن الجد روايتها بطريقة جذبت انتباه ذلك الصبى الصغير.         
وفى صباح أحد الأيام استيقظ كيرلس مبكراً .. وبعد أن خلا البيت، فقد ذهبت الجّدة والأم إلى عمليهما، وأصبح الصبى والجّد وحيدين، جاء كيرلس مسرعاً صائحاً وارتمى فى حضن جده الذى كان يطالع فى أحد الكتب. قال الصبى :

- إحك لى قصة اليوم .. يا جدى.         
وقال الجد :
- انتظر حتى أفرغ من القراءة أيها الشقى الصغير.
- لا ..
   بل إحك لى – الآن- قصة اليوم.
قال الجد باهتمام :
- هيا نتحادث مع الرب أولاً ..
وأضاف بعد برهة :
- ثم نحكى ما تشاء يا ولدى.
ذهبا معاً متهللين، فوقفا أمام صورة جميلة للرب، ورفعا قلبيهما قائلين :
- "يا أبانا الذى فى السموات، ليتقدس إسمك ..."(1).
 (1)-(مت6: 9).     
ثم استطرد الجد فى صلوات طويلة خطفت قلب الصبى وروحه، فرفع عينيه متبادلاً النظرات مع الرب الذى يطل عليه من تلك الصورة الجميلة وهو يقول :
- أنا أشكرك يارب ..
   وأرجوك أن تبارك أسـرتى ..
وفوجئ الجد وهو يقف منخرطاً فى الصلاة بحفيده يصلى بلغة بسيطة مؤثرة قائلاً :
- أرجوك ياربى يسوع ..
   قل لجدى أن يحكى لى حكاية جميلة !
تأثر الجد باشتياقات الصبى، واختتم صلاته على وجه السرعة. ثم انصرفا كليهما يلعبان ما شاءا من الألعاب الصغيرة.
   أخذا يحاكيان العصافير والبلابل، بينما الصبى يتناول طعام الصباح، وبعدها أخذا يتسابقان فى ردهة البيت، فيختفى الغلام خلف قطع الآثاث، ويبحث عنه الجد دون جدوى، إلى أن يلهث، ويلهث، وهو يضحك مبهور الأنفاس قائلاً :
- أين أنت أيها الشقى الصغير ؟!
فيضحك الصبى ملئ فيه، وهو يظهر فجأة من مخبئه وهو يقول :
- غلبتك يا جدى .. !
ويستطرد قائلاً :
- هيا ..
   إجلس هنا .. لترتاح، واحك لى حكاية اليوم.
أخذ الجد يحكى، ويحكى، والصبى ينصت باهتمام كبير، لكأنما هو أحد أبطال هذه الحكايات المثيرة ..! أحياناً يتصور أنهما ذهبا إلى الغابة الكبيرة، وتحادثا مع الحيوانات والطيور، وقضيا معها أوقاتاً طيبة، وتصادقا مع الأسد باعتباره ملك الغابة، وعقدا معه عهداً للصداقة، وفى أحيان أخرى يغوصان فى أعماق البحار يتسليان مع أسماك الدولفين الجميلة، والخفيفة الظل، ويتمتعا بحركاتها 
الغابة بكل طيورها وحيواناتها
السريعة التى تثير الدهشة والاعجاب .. ومرات أخرى فوق أعالى الجبال يمتطيان السحب الناصعة البياض .. أو تحلق بهما الطائرات وسفن الفضاء بين الكواكب والنجوم.
   وأخيراً .. اختتمت القصص جميعاً بقصة نوح وفلكه العجيب الذى حمل كل مخلوقات الله التى على الأرض فى جوفه، لكأنما كان عالماً بأكمله، أو هو كرة الأرض تسبح فى طوفان الماء.
   ومضى النهار، وجاءت الأم والجدة، فتناولوا جميعاً طعام الغذاء ثم العشاء .. وأخيراً نام كيرلس يحلم أحلاماً سعيدة، بل وتحلق أحلامه فى عوالم عجيبة كوّنها لنفسه !
   رأى فيما يرى النائم، أنه خرج من الأرض إلى عالم آخر عجيب، لكأنما الكائنات جميعاً تتحرك نحوه تبثه حبها، وتتبادل معه الأحاديث المشوقة : الحيوانات المختلفة، والطيور من بجع وطواويس ملونة وبلابل وعصافير، كان يداعبها بأصابعه الصغيرة، ويقدم لها الطعام فتتناوله من يديه.
   قالت الحمامة :
- إن جدتى – الحمامة الكبيرة- هى التى أحضرت غصن الزيتون للجد الكبير .. نوح !                                     
وفجأة طارت أحلام الصبى إلى تلك السفينة العجيبة التى كان جده قد حدثه عنها حديثاً مشوقاً، فقال مخاطباً تلك الحمامة المدهشة :
- ليتنى أذهب إلى هناك !
فأومأت إليه الحمامة برأسها قائلة :
- استدع النسر الفضى، وهو يحملك إلى هناك !   
- وأين أجد ذلك النسر الفضى الذى تتحدثين عنه أيتها الحمامة الجميلة ؟
فأكملت الحمامة وهى تشير بمنقارها قائلة :
- فوق شجرة السنديان .. العالية ..  
وأضافت :
- إنه يسكن هناك مع فراخه الصغيرة ..  
ولم تنتظر الحمامة بل أرتفعت وارتفعت محلقة فى الفضاء، منادية قائلة :
- أيها النسر الفضى .. 
   أيها النسر الفضى ..
نظر إليها النسر من عل بينما هو يطعم فراخه، وقال :
- ماذا تريدين أيتها الحمامة الحسنة ؟
فقالت الحمامة :
- إن كيرلس، يرغب فى الذهاب إلى السفينة التى حدثتنا عنها أيها النسر الجسور.     
فتساءل النسر قائلاً :
- سـفينة نوح ؟
وأضاف :
- بكل سرور أيتها الحمامة الحسنة ..
هبط النسر من عليائه، واستقر على الأرض، فاهتزت الأرض بمجرد أن لمست قدماه ثراها، وتطايرت أغصان الأشجار وأوراقها من عنف تردد موجات الهواء التى أحدثتها حركة جناحى النسر الفضى العجيب.
قال النسر :
- من يريد أن يذهب ليرى السفينة ؟        
وأضاف :
- فليركب بين جناحى !
طارت الحمامة واستقرت فوق ظهر النسر، وكذلك اليمامة، والحمل الصغير ذو الصوف الناعم الناصع البياض قفز أيضاً واستقر فوق ظهر النسر.
   وأخيراً اعتلى كيرلس ظهر ذلك النسر الأسطورى.
   وحالاً ما رفع النسر جانحيه ضارباً بهما الهواء، وارتفع عن الأرض .. حتى عانق السحاب .. ثم سار بسرعة .. نظر كيرلس إلى أسفل، فرأى المنازل مثل مكعبات صغيرة متناثرة، والأشجار التى كان يظنها ضخمة وعالية وهو على الأرض .. رآها مثل أعواد الثقاب الرفيعة !
رأى السهول والوديان تغطيها الحشائش والنباتات .. فصارت مثل بساط أخضر جميل يغطى مساحات شاسعة من الأرض، فعلق قائلاً :
- ما أجمل هذه الأرض التى خلقها الله لنتمتع بالحياة فوقها.       
طار النسر الفضى، وطار يسابق الرياح والسحاب، فمر فوق مدن كبيرة، وقمم جبال عالية، وبحار ذات أمواج أجاجة متلاطمة، وغابات كثيفة الأشجار.
   وبعد برهة من الزمن، أخذ الصبى يشخص بدهشة إلى هيكل ضخم ظهر فجأة فى جوف كتل الثلوج الشفافة الناصعة البياض، قال النسر :
- وصلنا أراراط !
ثم أستطرد يقول :
- سوف نهبط الآن ..        
صمت الجميع، حبسوا أنفاسهم .. كان الجو بارداً جداً، والأمطار تهطل بغزارة، قال النسر :
- سوف نهبط، لنستقر فوق هذه القمة الثلجية التى ترونها ...!    
قال كيرلس :
- ما أعجب هذا المكان ..
وأخيراً، هبط النسر وأصدقاءه على قمة الجبل العظيم أراراط الذى ترقد تحت ثلوجه السفينة.
هبط الأصدقاء من فوق ظهر النسر، وتجولوا ليبحثوا عن مدخل للسفينة، كانت كما ترى عن قرب، هيكل عملاق يشغل مساحة كبيرة من الجبل الذى تستقر فوق قمته، قال كيرلس :
سفينة نوح
نوح يطلق حمامة ليتأكد من جفاف الأرض
- يا لها من سفينة كبيرة جداً .. وعجيبة ! 
وعلق النسر قائلاً :
- طبعاً، لابد أن تكون كبيرة بهذا الحجم لتتسع لسكانها من الناس والحيوانات والطيور التى عاشت بداخلها سنة أو أكثر !
عقّبت الحمامة قائلة :
- كان بداخلها الجد الكبير نوح وزوجته، وأولادهما الثلاثة : سام، وحام، ويافث وزوجاتهم .. ثمانية أشخاص تفرعت منهم كل قبائل الأرض كانوا يعيشون فى الطابق العلوى للسفينة.
وتساءل كيرلس :
- من كم طابق تتكون السفينة ؟        
- من ثلاثة طوابق.
واستمرت الحمامة تكمل حديثها الشيق قائلة :
- أما الطابق الأوسط فكان يعيش فيه الحيوانات والطيور الطاهرة، كل نوع منها سبعة أزواج. والطابق الأسفل كان به الحيوانات والطيور الغير الطاهرة، كل نوع منها زوج واحد فقط ذكر وأنثى.
وتساءل كيرلس :
- لماذا الطاهرة سبعة أزواج، والغير الطاهرة زوج واحد فقط ؟      
أجابت الحمامة بحكمة قائلة :
- لأن الجـد الكبير نوح كان يقدم ذبائح شكر لله الذى حفظهم، من الحيوانات والطيور الطاهرة فقط، فكان ينبغى أن يكون عددها أكبر.
وعقب كيرلس على شرح الحمامة قائلاً :
- فلنشكر الرب على عنايته بخليقته الجميلة.    
وفجأة صاح النسر قائلاً :
- أنظروا يا اصدقاء .. !
وأضاف بفرح قائلاً :
- هذا هو باب السفينة .. إنه مفتوح على مصراعيه !
وأضاف :
- هيا .. هيا، تسلقوا جسم السفينة حتى نكون بداخلها، ونحتمى بها من هذه الأمطار الغزيرة، والعواصف الهوجاء !
تسابق الأصدقاء، فتسلقوا جسم السفينة برشاقة وخفة، فوجدوا أنفسهم داخل بناء متسع جداً، لدرجة أن أصداء أصواتهم كانت تتردد كطبول عملاقة تدق بقوة !
   تفحص كيرلس جسم السفينة فوجده مصنوع من الخشب الصلب الذى ما زال يحتفظ بصلابته رغم ما مر عليه من آلاف السنين. وكان بالسفينة حجرات وردهات وصالات متسعة بحيث تسع أضخم الحيوانات حجماً، فقال متعجباً :
- يا له من صانع ماهر، ذلك الذى صنع هذا الفلك العجيب، بكل هذه الدفة والمهارة.
بينما عقبت الحمامة قائلة :
- لقد أرشده الله لكل كبيرة وصغيرة، وكان الجد نوح أميناً فصنع كل شئ بحسب مشيئة الله، وبكل دقة.
قال كيرلس :
- لقد أخبرنى جدى أن بناء الفلك استغرق وقتاً طويلاً ..                 
وأسرعت الحمامة تكمل حديث كيرلس فقالت :
- استغرق البناء مائة وعشرون عاماً ..
وعقّب كيرلس :
- كان لديه إيماناً يقهر كل مقاومة المعاندين وسخرياتهم.
واستطرد قائلاً :
- قال جدى أن العالم القديم قد فنى بشره بالطوفان، وجدد الله الخليقة مرة أخرى. كما قال جدى إن نوح كان رمزاً ليسوع الذى جاء فى ملئ الزمان ليخلص العالم، ويجدد الخليقة ..
وأكمل وهو يرفع عينيه إلى السماء فى حب قائلاً :
- حقاً ما أعجب الله فى تدبيره، لقد صنع أعمالاً عجيبة ..       
ثم قال موضحاً :
- تصوروا يا أصدقاء أن الباب الذى دخلنا منه السفينة لنحتمى بها من العواصف والأمطار .. يشبه جنب يسوع الذى طعن بالحربة فوق الصليب .. لندخل إليه ونحتمى فيه ..
   كان الأصدقاء ينظرون إلى كيرلس فى دهشة من حديثه المشوق ..
   تجول الأصدقاء فى أرجاء الفلك، وهم صامتون ينظرون فى دهشة، فقد رأوا بقايا أطعمة متجمدة، وأغصان أشجار، وحبال ومطارق قديمة جداً، قِدم هذا الفلك نفسه !
   كانت الحمامة تطير وتهبط، ثم تطير وتهبط من جديد لكأنما تتفحص كل شئ بدقة، وفجأة قالت :
- هذا غصن زيتون جاف !       
تفحص كيرلس الغصن، وعلق قائلاًً :
- عجيب، أنه ما زال يحتفظ بلونه الأخضر الزاهى النضير رغم جفافه.
قالت الحمامة :
- عندما رأى الجد نوح هذا الغصن صاح فى فرح قائلاً : الآن .. مضى الطوفان ! ثم بعد وقت "كلم الله نوحاً قائلاً اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك وكل الحيوانات التى معك .. ولتتوالد فى الأرض وتثمر وتكثر على الأرض ..."(1).
(1)-(تك8: 15- 17). 
نوح يقدم ذبائح شكر لله
وأكمل كيرلس قائلاً :
- قال جدى، وكان على نوح أن يشكر الرب .. فـ" .. بنى نوح مذبحاً للرب وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح فتنسم الرب رائحة الرضا"(1).     
فأومأت الحمامة موافقة على شرح كيرلس وعلى إيمانه العميق.
   وبعد وقت قضاه الأصدقاء داخل الفلك، قال النسر :
- لنخرج يا أصدقاء، حتى نرحل عائدين قبل أن تغرب الشمس ويحل الظلام.   
خرج الأصدقاء جميعاً خارج الفلك، وإذا بهم يباغتوا بقوس عظيم يتلألأ بألوانه الزاهية الرائعة الجمال .. إنه يقطع السماء من الشمال إلى الجنوب .. قال كيرلس :
- الله .. ما أجمل هذا القوس العجيب .. 
وأكمل حديثه متذكراً ..
- حقاً، قال جدى .. إنه قوس قزح .. علامة العهد الذى قطعه الله للإنسان.   
وأكمل فى تأثر، جعل الأصدقاء يجهشون بالبكاء :
- لقد مضى الموت والخطر، وأعطى الله للإنسان الحياة الجديدة والسلام ..   
   لن يعود الله يهلك الأرض من جديد ..
وبينما كيرلس يتقلب فى فراشه عائداً إلى نفسه من النوم سمعه من حوله يقول :
- هذا هو غصن الزيتون .. وهذا قوس قزح .. لقد عاد السلام إلى الأرض !
قال الجد موجهاً حديثه إلى كيرلس :
- ما هذا الذى تقبض عليه يا ولدى ؟
- إنه غصن الزيتون الذى كان فى السفينة ..
هز الجد رأسه متذكراً، فقد كان الغصن الذى يقبض عليه كيرلس بكلتا يديه بقوة، هو غصن قد حصل عليه من شجرة الزيتون الموجودة بحديقة الكنيسة !
 (1)-(تك8: 20، 21).

Admin CTG
  الدليل القبطي

يتيح الموقع الاطلاع المجاني على بيانات جميع الاماكن ويمتع مستخدموه فوق ذلك بعدد من المميزات الاخري مثل امكانية اضافة تعليقاتهم وتقيم المكان ومعرفة تفاصيل اكثر عن المكان من خلال الصور والتعريف بالخدمات

  من نحن

الدليل القبطي هــو قاعدة بيانات يمكن البحث فيها عــن بيوت المؤتمرات و بيــوت المغتربيــن و امــاكن المعسكرات و امــاكن للخلوات والرحلات اليوم الواحـد و كمان شركــات الاتوبيسات واقسام خدمية تانية كتير . هدفنا هو ان يكون دليــل الرحــلات القبطيــة المصــدر الموثــوق فــي مصـر للبحث عن بيانات الاماكن والخدمات .